کد مطلب:109952 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:145

خطبه 234-خطبه قاصعه











ومن خطبة له علیه السلام

تسمّی القاصعة.

وهی تتضمن ذم إبلیس لعنة اللّه، عَلی استكباره، وتركه السجود لآدم علیه السلام، وأنه أول من أظهر العصبیة وتبع الحمیة، وتحذیر الناس من سلوك طریقته.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِیَاءَ، وَاخْتَارَهُمَا لنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمَا حِمیً وَحَرَماً عَلَی غَیْرِهِ، وَاصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ.

رأس العصیان

وَجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَی مَنْ نَازَعَهُ فِیهِمَا مِنْ عِبَادِهِ، ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذلِكَ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِینَ، لَِیمِیزَ المُتَوَاضِعیِنَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِینَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ القُلُوبِ، وَمَحْجُوبَاتِ الْغُیُوبِ: (إِنِّی خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ * فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِیسَ) اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِیَّةُ، فَافْتَخَرَ عَلَی آدَمَ بَخَلْقِهِ، وَتَعَصَّبَ عَلَیْهِ لِأَصْلِهِ. فَعَدُوُّ اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِینَ، وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِینَ، الَّذِی وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِیَّةِ، وَنازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِیَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ. أَلاَ تَرَوْنَ كَیْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ، وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ، فَجَعَلَهُ فِی الدُّنْیَا مَدْحُوراً، وَأَعَدَّ لَهُ فِی الْآخِرَةِ سَعِیراً؟!

ابتلاء الله لخلقه

وَلَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ یَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُور یَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِیَاؤُهُ، وَیَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ، وَطِیب یَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ، لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً، وَلَخَفَّتِ الْبَلْوَی فِیهِ عَلَی المَلائِكَةِ. وَلكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ، تَمْیِیزاً بِالْإِخْتِبَارِ لَهُمْ، وَنَفْیاً لِلْإِسْتِكَبَارِ عَنْهُمْ، وَإِبْعَاداً لِلْخُیَلاَءِ مِنْهُم.

طلب العبرة

فَاعْتَبِروا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِیسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِیلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِیدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ، لاَ یُدْرَی أَمِنْ سِنِی الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِی الْآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. فَمَنْ بَعْدَ إِبْلِیسَ یَسْلَمُ عَلَی اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِیَتِهِ؟ كَلاَّ، مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِیُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً. إِنَّ حُكْمَهُ فِی أَهْلِ السَّماءِ وأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ، وَمَا بَیْنَ اللهِ وَبَیْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِی إِبَاحَةِ حِمیً حَرَّمَهُ عَلَی الْعَالَمینَ.

التحذیر من الشیطان

فَاحْذَرُوا عَدُوَّ اللهِ أَنْ یُعْدِیَكُمْ بِدَائِهِ، وَأَنْ یَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ، وَأَنْ یُجْلِبَ عَلَیْكُمْ بِخَیْلِهِ وَرَجِلِهِ. فَلَعَمْرِی لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِیدِ، وَأَغْرَقَ لَكُم بِالنَّزْعِ الشَّدِیدِ، وَرَمَاكُمْ مِنْ مَكَان قَرِیب، فَقَالَ: (رَبِّ بِمَا أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَلَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ)، قَذْفاً بِغَیْبٍ بَعِیدٍ، وَرَجْماً بِظَنٍّ غَیْرِ مُصِیبٍ، صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِیَّةِ، وَإِخْوَانُ الْعَصَبِیَّةِ، وَفُرْسَانُ الْكِبْرِ وَالْجَاهِلِیَّةِ. حَتَّی إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ، وَاسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِیَّةُ مِنْهُ فِیكُمْ، فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِیِّ إِلَی الْأَمْرِ الْجَلِیِّ، اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَیْكُمْ، وَدَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ، فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ، وَأَحَلُّوكم وَرَطَاتِ الْقَتْلِ، وَأَوْطَأُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ، طَعْناً فِی عُیُونِكُم، وَحَزّاً فِی حُلُوقِكُمْ، وَدَقّاً لِمَناخِرِكُمْ، وَقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ، وَسوقاً بِخَزَائمِ الْقَهْرِ إِلَی النَّارِ المُعَدَّةِ لَكُمْ، فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِی دِینِكُمْ جَرْحاً، وَأَوْرَی فِی دُنْیَاكُمْ قَدْحاً، مِنَ الَّذِینَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِینَ، وَعَلَیْهِمْ مُتَأَلِّبِینَ. فَاجْعَلُوا عَلَیْهِ حَدَّكُمْ، وَلَهُ جَدَّكُمْ، فَلَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَی أَصْلِكُمْ، وَوَقَعَ فی حَسَبِكُمْ، وَدَفَعَ فِی نَسَبِكُمْ، وَأَجْلَبَ بِخَیْلِهِ عَلَیْكُمْ، وَقَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِیلَكُمْ، یَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَیَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ، لاَ تَمْتَنِعُونَ بِحِیلَةٍ، وَلاَ تَدْفَعُونَ بِعَزِیمَةٍ، فِی حَوْمَةِ ذُلٍّ، وَحَلْقَةِ ضِیقٍ، وَعَرْصَةِ مَوْتٍ، وَجَوْلَةِ بَلاَءٍ. فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِی قُلُوبِكُمْ مِنْ نِیرَانِ الْعَصَبِیَّةِ، وَأَحْقَادِ الْجَاهِلِیَّةِ، وإنَّمَا تِلْكَ الْحَمِیَّةُ تَكُونُ فِی الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّیْطَانِ وَنَخَواتِهِ، وَنَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ. وَاعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَی رُؤُوسِكُمْ، وَإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحَتْ أَقْدَامِكُمْ، وَخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ. وَاتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَیْنَكُمْ وَبَیْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِیسَ وَجُنُودِهِ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّة جُنُوداً وأَعْوَاناً، وَرَجِلاً وَفُرْسَاناً، وَلاَ تَكُونُوا كالْمُتَكَبِّرِ عَلَی ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللهُ فِیهِ سِوَی مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ، وَقَدَحَتِ الْحَمِیَّةُ فِی قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، وَنَفَخَ الشَّیْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِیحِ الْكِبْرِ الَّذِی أَعْقَبَهُ اللهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِینَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.

التحذیر من الكبر

أَلاَ وَقدْ أَمْعَنْتُمْ فِی الْبَغْیِ، وَأَفْسَدْتُمْ فِی الْأَرْضِ، مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالمُنَاصَبَةِ، وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِینَ بِالُمحَارَبَةِ. فَاللهَ اللهَ فی كِبْرِ الْحَمِیَّةِ، وَفَخْرِ الْجَاهلِیَّةِ! فَإِنَّهُ مَلاَقِحُ الشَّنَآنِ، وَمَنَافِخُ الشَّیْطانِ، اَلَّتِی خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِیَةَ، والْقُرُونَ الْخَالِیَةَ، حَتَّی أَعْنَقُوا فِی حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ، وَمهَاوِی ضَلاَلَتِهِ، ذُلُلاً عَنْ سِیَاقِهِ، سُلُساً فِی قِیَادِهِ، أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِیهِ، وَتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَیْهِ، وَكِبْراً تَضَایَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ.

التحذیر من طاعة الكبراء

ألاَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ! الَّذِینَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ، وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، وَأَلْقَوُا الْهَجِینَةَ عَلَی رَبِّهِمْ، وَجَاحَدُوا اللهَ مَا صَنَعَ بِهمْ، مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ، وَمُغَالَبَةً لِآلائِهِ، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِیَّةِ، وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ، وَسُیُوفُ إعْتِزَاءِ الْجَاهِلِیَّةِ. فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلیْكُمْ أَضْدَاداً، وَلاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً، وَلاَ تُطِیعُوا الْأَدْعِیَاءَ الَّذِینَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ، وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ، وَأَدْخَلْتُمْ فِی حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ، وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ، اتَّخَذَهُمْ إِبْلِیسُ مَطَایَا ضَلاَلٍ، وَجُنْداً بِهمْ یَصُولُ عَلَی النَّاسِ، وَتَرَاجِمَةً یَنْطِقُ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ، وَدُخُولاً فِی عُیُونِكُمْ، وَنَفْثاً فِی أَسْمَاعِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ مَرْمَی نَبْلِهِ، وَمَوْطِیءَ قَدَمِهِ، وَمأْخَذَ یَدِهِ.

العبرة بالماضین

فَاعْتَبِرُوا بَمَا أَصَابَ الْأُمَمَ المُسْتَكْبِرِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَصَوْلاَتِهِ، وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلاَتِهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِی خُدُودِهِمْ، وَمَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ، وَاسْتَعِیذوا بِاللهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكبْرِ، كَمَا تَسْتَعِیذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ، فَلَوْ رَخَّصَ اللهُ فِی الْكِبْرِ لِأَحَد مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِیهِ لِخَاصَّةِ أَنبِیَائِهِ وَأَولِیائِهِ، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَیْهِمُ التَّكَابُرَ، وَرَضِیَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ، فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ، وَعَفَّرُوا فِی التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ. وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤمِنِینَ، وَكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِینَ، قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللهُ بالْمَخْمَصَةِ، وَابْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ، وَامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ، وَمَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ، فَلاَ تَعْتَبِرُوا الرِّضَی وَالسُّخْطَ بِالمَالِ وَالْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ، وَالْإِخْتِبَارِ فِی مَوَاضِعِ الْغِنَی وَالْإِقْتِدَارِ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ تَعَالَی: (أَیَحْسَبُونَ أَنَّ مَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِینَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْرَاتِ بَلْ لاَ یَشْعُرُونَ)، فَإِنَّ اللهَ سْبْحَانَهْ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِینَ فِی أَنْفُسِهمْ بِأَوْلِیَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِینَ فِی أَعْیُنِهِمْ.

تواضع الانبیاء

وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ -عَلَیْهِمَا السَّلامُ- عَلَی فِرْعَوْنَ، وَعَلَیْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ، وَبِأَیْدِیهِمَا الْعِصِیُّ، فَشَرَطَا لَهُ ـ إِنْ أَسْلَمَ ـ بَقَاءَ مُلْكِهِ، وَدَوامَ عِزِّهِ، فَقَالَ: أَلاَ تَعْجبُونَ مِنْ هذَیْنِ یَشْرِطَانِ لِی دَوَامَ الْعِزِّ، وَبَقَاءَ الْمُلْكِ، وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ، فَهَلاَّ أُلْقِیَ عَلَیْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ؟ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ، وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ! وَلَوْ أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِیَائِهِ حَیْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ یَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الْذِّهْبَانِ، وَمَعَادِنَ الْعِقْیَانِ، وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ، وَأَنْ یَحْشُرَ مَعَهُمْ طُیُورَ السَّماءِ وَوُحُوشَ الْأَرَضِینَ لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاَءُ، وَبَطَلَ الْجَزَاءُ، وَاضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ، وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِینَ أُجُورُ الْمُبْتَلِینَ، وَلاَ اسْتَحَقَّ الْمُؤمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِینَ، وَلاَ لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِیَهَا، وَلكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِی قُوَّةٍ فِی عَزَائِمِهِمْ، وَضَعَفَةً فِیَما تَرَی الْأَعْیُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَالْعُیُونَ غِنیً، وَخَصَاصَة تَمْلاَُ الْأَبْصَارَ وَالْأَسْمَاعَ أَذیً. وَلَوْ كَانَتِ الْأَنْبِیَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ، وَعِزَّةًٍ لاَ تُضَامُ، وَمُلْكٍ تُمَدُّ نُحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ، وَتُشَدُّ إِلَیْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَی الْخَلْقِ فِی الْإِعَتِبَارِ، وَأَبْعَدَ لَهُمْ مِنَ الْإِسْتَكْبَارِ، وَلَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهْمْ، أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ، فَكَانَتِ النِّیَّاتُ مُشْتَرَكَةً، وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً. وَلكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ یَكُونَ الْإِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ، وَالْتَّصْدِیقُ بِكُتُبِهِ، وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ، وَالْإِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ، وَالْإِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ، أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً، لاَ تَشُوبُهَا مِنْ غَیْرِهَا شَائِبَةٌ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبلْوَی وَالْإِخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَ زَاءُ أَجْزَلَ.

الكعبة المقدسة

ألاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ، اخْتَبَرَ الْأَوَّلِینَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَواتُ اللهِ عَلَیْهِ، إِلَی الْآخِرِینَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، بَأَحْجَارٍ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ، فَعَجَلَهَا بَیْتَهُ الْحَرَامَ (الَّذِی جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِیَاماً). ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً، وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْیَا مَدَراً، وَأَضْیَقِ بُطُونِ الْأَوْدِیَةِ قُطْراً، بَیْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ، وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ، وَعُیُونٍ وَشِلَةٍ، وَقُریً مُنْقَطِعَةٍ، لا یَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَلاَ حَافِرٌ وَلاَ ظِلْفٌ. ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَوَلَدَهُ أَنْ یَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهمْ، وَغَایَةً لِمُلْقَی رِحَالِهِمْ، تَهْوِی إِلَیْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِیقَةٍ، وَمَهَاوِی فِجَاجٍ عَمِیقَةٍ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّی یَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً یُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ، وَیَرْمُلُونَ عَلَی أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ. قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِیلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلاَءً عَظِیماً، وَامْتِحاناً شَدِیداً، وَاخْتِبَاراً مُبِیناً، وَتَمْحِیصاً بَلِیغاً، جَعَلَهُ اللهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً إِلَی جَنَّتِهِ. وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ یَضَعَ بَیْتَهُ الْحَرَامَ، وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ، بَیْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ، وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ، جَمَّ الْأَشْجَارِ، دَانِیَ الِّثمارِ، مُلْتَفَّ الْبُنَی، مُتَّصِلَ الْقُرَی، بَیْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ، وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءٍَ، وَأَرْیَافٍ مُحْدِقَةٍ، وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَریَاضٍ نَاضِرَةٍ، وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَی حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ. وَلَوْ كَانَ الْإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَیْهَا، وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا، بَیْنَ زُمُرُّدَةٍِ خَضْرَاءَ، وَیَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، وَنُورٍ وَضِیَاءٍ، لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِی الصُّدُورِ، وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إبْلِیسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَلَنَفَی مُعْتَلَجَ الرَّیْبِ مِنَ الْنَّاسِ. وَلكِنَّ اللهَ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَیَتَعَبَّدُهُمْ بِأَلْوَانِ الْمَجَاهِدِ، وَیَبْتَلِیهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهمْ، وَلِیَجْعَلْ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ.

عود إلی التحذیر

فَاللهَ اللهَ فِی عَاجِلِ الْبَغْیِ، وَآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ، وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ، فَإنَّهَا مَصْیَدَةُ إِبْلِیسَ الْعُظْمَی، وَمَكِیدَتهُ الْكُبْرَی، الَّتِی تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، فَمَا تُكْدِی أَبَداً، وَلاَ تُشْوِی أَحَداً، لاَ عَالِماً لِعِلْمِهِ، وَلاَ مُقِلاًّ فی طِمْرِهِ. وَعَنْ ذلِكَ مَا حَرَسَ اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِینَ بِالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، وَمُجَاهَدَةِ الصِّیَامِ فِی الْأَیَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تسْكِیناً لِأَطْرَافِهِمْ، وَتَخْشِیعاً لِأَبْصَارِهمْ، وَتَذْلِیلاً لِنُفُوسِهِمْ، وَتَخْفِیضاً لِقُلُوبِهِمْ، وَإِذْهَاباً لِلْخُیَلاَءِ عَنْهُمْ، لِمَا فِی ذَلِكَ مِنْ تَعْفِیرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، وَالْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً، وَلُحُوقِ الْبُطُونِ بِالمُتونِ مِنَ الصِّیَامِ تَذَلُّلاً، مَعَ مَا فِی الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ وَغَیْرِ ذَلِكَ إِلَی أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ.

فضائل الفرائض

انْظُرُوا إِلَی مَا فِی هذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ، وَقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ! وَلَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِینَ یَتَعَصَّبُ لِشَیْءٍ مِنَ الْأَشْیَاءِ إِلاَّ عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِیهَ الْجُهَلاَءِ، أَوْ حُجَّة تَلِیطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَیْرَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْر مَا یُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلاَ عِلَّةٌ. أَمَّا إِبْلِیسُ فَتَعَصَّبَ عَلَی آدَمَ لِأَصْلِهِ، وَطَعَنَ عَلَیْهِ فِی خِلْقَتِهِ، فَقَالَ: أَنَا نَارِیٌّ وَأَنْتَ طِینِیٌّ.

عصبیة المال

وَأَمَّا الْأَغْنِیَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الْأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَقَالُوا: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ) فَإنْ كَانَ لاَبُدَّ مِنَ الْعَصَبِیَّةِ، فَلْیَكُنْ تَعَصُّبُهُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ، وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ، الَّتِی تَفَاضَلَتْ فِیهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُیُوتَاتِ الْعَرَبِ وَیَعَاسِیبِ الْقَبَائِلِ، بِالْأَخْلاَقِ الرَّغِیبَةِ، وَ الْأَحْلاَمِ الْعَظِیمَةِ، وَ الْأَخْطَارِ الْجَلِیلَةِ، وَ الْآثَارِ الَمحْمُودَةِ. فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِیَةِ لِلْكِبْرِ، وَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْیِ، وَ الْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ، و الْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَالْكَظْمِ لِلْغَیْظِ، وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ. واحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلاَتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ، وَذَمِیمِ الْأَعْمَالِ، فَتَذَكَّرُوا فِی الْخَیْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ. فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِی تَفَاوُتِ حَالَیْهِمْ، فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ حَالَهُمْ، وَزَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ، وَمُدَّتِ الْعَافِیَةُ بِهِ عَلَیْهِمْ، وَانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ، وَوَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَیْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الْإِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ، وَاللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ، وَالتَّحَاضِّ عَلَیْهَا، وَالتَّوَاصِی بِهَا. وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ، وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ، وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وتَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَتَخَاذُلِ الْأَیْدِی. وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤمِنِینَ قَبْلَكُمْ، كَیْفَ كَانُوا فِی حَالِ التَّمحِیصِ وَالْبَلاَءِ. أَلَمْ یَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلاَئِقِ أَعْبَاءً، وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلاَءً، وَأَضْیَقَ أَهْلِ الدُّنْیَا حَالاً. اتَّخَذَتْهُمُ الْفَراعِنَةُ عَبِیداً فَسَامُوهُم سُوءَ الْعَذَابِ، وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِی ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ، لاَ یَجِدُونَ حِیلَةً فِی امْتِنَاعٍ، وَلاَ سَبِیلاً إِلَی دِفَاعٍ، حَتَّی إِذَا رَأَی اللهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَی الْأَذَی فِی مَحَبَّتِهِ، وَ الْإِحْتَِمالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَایِقِ الْبَلاَءِ فَرَجاً، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ، وَ الْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ، فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً، وأَئِمَّةً أَعْلاَماً، وَبَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ الْآمَالُ إِلَیْهِ بِهِمْ. فَانْظُرُوا كَیْفَ كَانُوا حَیْثُ كَانَتِ الْأَمْلاَءُ مُجْتَمِعَةً، وَ الْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً، وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً، وَ الْأَیْدِی مُتَرَادِفَةً، وَالسُّیُوفُ مُتَنَاصِرَةً، وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً، وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً، أَلَمْ یَكُونُوا أَرْبَاباً فِی أَقْطَارِ الْأَرَضِینَ، وَمُلُوكاً عَلَی رِقَابِ الْعَالَمِینَ! فَانْظُرُوا إِلَی مَا صَارُوا إِلَیْهِ فِی آخِرِ أُمُورِهِمْ، حِینَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ، وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَ الْأَفْئِدَةُ، وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِینَ، وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِینَ، قَدْ خَلَعَ اللهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ، وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ، وَبَقّی قَصَصَ أَخْبَارِهِمْ فِیكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِینَ.

الاعتبار بالامم

فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِیلَ وَبَنِی إِسْحَاقَ وَبَنِی إِسْرَائِیلَ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ، فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ

الْأَحْوَالِ، وَأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ! تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِی حَالِ تَشَتُّتِهِمْ، وَتَفَرُّقِهِمْ، لَیَالِیَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَالْقَیَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ، یَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِیفِ الْآفَاقِ، وَبَحْرِ الْعِرَاقِ، وَخُضْرَةِ الدُّنْیَا، إِلَی مَنَابِتِ الشِّیحِ، وَمَهَافِی الرِّیحِ، وَنَكَدِ الْمَعَاشِ، فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِینَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ، أَذَلَّ الْأُمَمِ داراً، وَأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً، لاَ یَأْوُونَ إِلَی جَنَاحِ دَعْوَةٍ یَعْتَصِمُونَ بِهَا، وَلاَ إِلَی ظِلِّ أُلْفَةِ یَعْتَمِدُونَ عَلَی عِزِّهَا، فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، وَ الْأَیْدِی مُخْتَلِفَةٌ، وَالْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ، فِی بَلاَءِ أَزْلٍ، وأَطْبَاقِ جَهْلٍ! مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ، وَأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ، وَأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ.

النعمة برسول الله

فَانْظُرُوا إِلَی مَوَاقِعِ نِعَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَیْهِمْ حِینَ بَعَثَ إِلَیْهِمْ رَسُولاً، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَی دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ، كَیْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَیْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِیمِهَا، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِی عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فِی نِعْمَتِهَا غَرِقِینَ، وَفِی خُضْرَةِ عَیْشِهَا فَكِهِینَ، قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ، فِی ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ، وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَی كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ، وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَیْهِمْ فِی ذُرَی مُلْكٍ ثَابِتٍ، فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَی الْعَالَمِینَ، وَمُلُوكٌ فِی أَطْرَافِ الْأَرَضِینَ، یَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَی مَنْ كَانَ یَمْلِكُهَا عَلَیْهِمْ، وَیُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِیمَنْ كَانَ یُمْضِیهَا فِیهِمْ! لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ، وَلاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ !

لوم العصاة

أَلاَ وَإنَّكُمْ قَد نَفَضْتُمْ أَیْدِیَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطاعَةِ، وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللهِ الْمَضْرُوبَ عَلَیْكُمْ، بَأَحْكَامِ الْجَاهِلِیَّةِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ امْتَنَّ عَلَی جَمَاعَةِ هذِهِ الْأُمَّةِ فِیَما عَقَدَ بَیْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِی یَنْتَقِلُونَ فِی ظِلِّهَا، وَیَأْوُونَ إَلَی كَنَفِهَا، بِنِعْمَةِ لاَ یَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِینَ لَهَا قِیمَةً، لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ أحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِیمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ، تَقُولُونَ: النَّارَ وَلاَ الْعَارَ! كَأَنَّكُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الْإِسْلاَمَ عَلَی وَجْهِهِ،انْتِهَاكاً لِحَرِیمِهِ، وَنَقْضاً لِمِیثَاقِهِ الَّذِی وَضَعَهُ اللهُ لَكُمْ حَرَماً فِی أَرْضِهِ، وأَمْناً بَیْنَ خَلْقِهِ. وإِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَی غَیْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ، ثُمَّ لاَ جَبْرَائِیلُ وَلاَ مِیكَائِیلُ وَلاَ مُهَاجِرُونَ وَلاَ أَنْصَارٌ یَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ الْمُقَارَعَةَ بِالسَّیْفِ حَتَّی یَحْكُمَ اللهُ بَیْنَكُمْ. وَإِنَّ عِنْدَكُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللهِ تَعَالَی وَقَوَارِعِهِ، وَأَیَّامِهِ وَوَقَائِعِهِ، فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِیدَهُ جَهْلاً بَأَخْذِهِ، وَتَهَاوُناً بِبَطْشِهِ، وَیأْساً مِنْ بَأْسِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِیَ بَیْنَ أَیْدِیكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْیَ عَنِ المُنكَرِ، فَلَعَنَ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِی، وَالْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ الْتَّنَاهِیْ! أَلاَ وَقَدْ قَطَعْتُمْ قَیْدَ الْإِسْلاَمِ، وَعَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ، وَأَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ. أَلاَ وَقَدْ أَمَرَنِیَ اللهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْی وَالْنَّكْثِ وَالْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ، فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ، وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ، وَأَمَّا شَیْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِیتُهُ بِصَعْقَةٍ سَمِعْتُ لَهَا وَجْبَةَ قَلْبِهِ وَرَجَّةَ صَدْرِهِ، وَبَقِیَتْ بَقِیَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْیِ، وَلَئِنْ أَذِنَ اللهُ فِی الْكَرَّةِ عَلَیْهِمْ لَأُدِیلَنَّ مِنْهُمْ إِلاَّ مَا یَتَشَذَّرُ فِی أَطْرَافِ الْأَرْضِ تَشَذُّراً!

فضل الوحی

أَنَا وَضَعْتُ فِی الصِّغَرَ بَكَلاَكِلِ الْعَرَبِ، وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِیعَةَ وَمُضَرَ. وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِی مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- بِالْقَرَابَةِ الْقَرِیبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِیصَةِ: وَضَعَنِی فِی حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ یَضُمُّنِی إِلَی صَدْرِهِ، وَیَكْنُفُنِی فِی فِرَاشِهِ، وَیُمِسُّنِی جَسَدَهُ، وَیُشِمُّنِی عَرْفَهُ. وَكَانَ یَمْضَغُ الشَّیْءَ ثُمَّ یُلْقِمُنِیهِ، وَمَا وَجَدَ لِی كَذْبَةً فِی قَوْلٍ، وَلاَ خَطْلَةً فِی فِعْلٍ. وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ یَسْلُكُ بِهِ طَرِیقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَیْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ، یَرْفَعُ لی فِی كُلِّ یَوْمٍ عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَیَأْمُرُنی بِالْإِقْتِدَاءِ بِهِ. وَلَقَدْ كَانَ یُجَاوِرُ فِی كُلِّ سَنَة بِحِرَاءََ فَأَرَاهُ, وَلاَ یَرَاهُ غَیْرِی، وَلَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ یَوْمَئِذٍ فِی الْإِسْلاَمِ غَیْرَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- وَخَدِیجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَی نُورَ الْوَحْیِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِیحَ النُّبُوَّةِ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّیْطَانِ حِینَ نَزَلَ الْوَحْیُ عَلَیْه ِ-صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: «هذَا الشَّیْطَانُ قَدْ أَیِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَی مَا أَرَی، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِیّ، وَلكِنَّكَ وَزِیرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَی خَیْرٍ». وَلَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ-صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- لَمَّا أَتاهُ المَلاَُ مِنْ قُریْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: یَا مُحُمَّدُ، إِنَّكُ قَدِ ادَّعَیْتَ عَظِیماً لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَلاَ أحَدٌ مِن بَیْتِكَ، وَنَحْنُ نَسَأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَأَرَیْتَنَاهُ، عَلِمْنَا أَنَّكَ نِبِیٌّ وَرَسُولٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَالَ لهم -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-: «وَمَا تَسْأَلُونَ؟». قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَیْنَ یَدَیْكَ. فَقَالَ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-: «إِنَّ الله عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ، فإِنْ فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ لَكُمْ، أَتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنِّی سَأُرِیكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وإِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِیئُونَ إِلَی خَیْرٍ، وَإِنَّ فِیكُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی الْقَلِیبِ، وَمَنْ یُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ». ثُمَّ قَالَ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-: «یَا أَیَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤمِنِینَ بِاللهِ وَالیَوْمِ الْآخِرِ، وَتَعْلَمِینَ أَنِّی رَسُولُ اللهِ، فَانْقَلِعِی بعُرُوقِكِ حَتَّی تَقِفِی بَیْنَ یَدَیَّ بِإِذْنِ اللهِ». فَوَالَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا، وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِیٌّ شَدِیدٌ، وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّیْرِ، حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ- مُرَفْرِفَةً، وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَی عَلَی رَسُولِ اللهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-، وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَی مَنْكِبِی، وَكُنْتُ عَنْ یَمِینِهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-, فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَی ذلِكَ قَالُوا ـ عُلُوّاً وَاسْتِكْبَاراً ـ: فَمُرْهَا فَلْیَأْتِكَ نِصْفُهَا وَیَبْقَی نِصْفُهَا. فَأَمَرَهَا بِذلِكَ، فَأَقْبَلَ إِلَیْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِیّاً، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ-, فَقَالُوا ـ كُفْراً وَعُتُوّاً ـ: فَمُرْ هذَا النِّصْفَ فَلْیَرْجِعْ إِلَی نِصْفِهِ كَمَا كَانَ. فَأَمَرَهُ فَرَجَعَ, فَقُلْتُ أَنَا: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، إِنِّی أَوَّلُ مْؤْمِنٍ بِكَ یَا رَسُولَ اللهِ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بَأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللهِ تَصْدِیقاً لِنُبُوَّتِكَ، وإِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ. فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فِیهِ، وَهَلْ یُصَدِّقُكَ فِی أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هذَا! (یَعْنُونَنِی). وَإِنِّی لَمِنْ قَوْم لاَ تَأخُذُهُمْ فِی اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم، سِیَماهُمْ سِیَما الصِّدِّیقِینَ، وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ الْأَبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّیْلِ، وَمَنَارُ النَّهَارِ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ، یُحْیُونَ سُنَنَ اللهِ وسُنَنَ رَسُولِهِ، لاَ یَسْتَكْبِرُونَ وَلاَیَعْلُونَ، وَلاَیَغُلُّونَ وَلاَ یُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فِی الْجِنَانِ، وَ أَجْسَادُهُمْ فی الْعَمَلِ!